في وقت الظهيرة...دايما الحر يكون قاتلا...رائحة العرق تزكم الأنوف...و التعب و الإجهاد يلف الطلبة..
فكر بسرعة في القرار الذي سيتخذه..ماذا يفعل...لقد بدأ هذه الفتاة فعلا تقلقه...إنها الىن تلف خيوطها عليه...لا يفعلن شيئا حتى يستشير أخته...فهي فتاة كباقي الفتيات...ستساعده بلا ريب..فكم تحبه و كم تخلص له في نصائحها و آرائها...إنها ببرائتها حكيمة من نوع ما...لكن فضوله يكاد يقتله..و أخيرا...اتخذ قرارا بالذهاب غلى المكتبة كما أرادت...كان يعرف أنه يجازف
في المكتبة الجو ألطف كثيرا..و أكثر برودة...التكييف يجعل الهواء باردا و الأنفاس منعشة...هنا يجب عن يجلس...قال في نفسه ان تلك الفتا قد أحسنت اختيار المكان...فهو يحب التواجد بين الكتب...كما أن الجو هنا...أكثر راحة بأضعاف المرات.عن عدة أماكن في الكلية...ثم رآها قادمة...
- أهلا..ساهر..!
- اهلا نسمة..
- لازم أعترف إني ماتوقعتش إنك تيجي..
- الصراحة..و انا كمان..
- أوكي...
- خير يا نسمة
-.....
سكتت قليلا..ثم تكلمت عن زميلها الذي صار ذا شعبية كبيرة في الفرقة...كونه يساعد باقي الزملاء في تحصيل المواد عن طريق ما يقدمه من ملخصات...لكنه كان يدرك في قرارة نفسه ان هناك شيئا خفيا تسعى إليه هذه الفتاة...إنه ليس خبيرا بمثل هذه الامور..لكن قرائته لكثير من الاعمال ألأدبية القديمة قد ساعده قليلا...كم تمنى ان تكون أخته بجانبه الآن
ثم استطردت عن رغبتها في الاستذكار معه...
- نسمة...هوا ده اللي انتي كنتي عايزاني علشانه
- آه
- بس ده كان ممكن يتقال في أي مكان..ماكانش ليها لازمة الخصوصية الزيادة دي
- اعذرني يا ساهر..بس في واحدة زميلتي قاصداني دايما...و مش عايزاني أكون كويسة...و أنا محتاجة مساعدتك...
- .....
كمان مش سهل أطلب منك طلب زي ده...على الأقل قدام الناس
كان تفكيره مشوشا...هل طلبها هذا غريبا...طالما رغب الكثير من زملائه في الاستذكار معه... لكنه كان يعتذر و يقول أن تلك النسخ تفعل الكثير...
- طيب ماشي...انا تحت أمرك يا نسمة...بس شوفي المعاد اللي يناسبك...
- أوكي...انا هتصل بيك ع الموبايل النهار ده...و أتفق معاك
- ماشي..خدي النمرة أهي
لم يكن من السهل عليه أن يتلاشى ذلك الحماس الذي التمع في عينيها..هذا زاده قلقا و تخوفا...
كان المساء هادئا..موسيقى شجية تدوي في أرجاء البيت...ثم صوت محبب إليه...انها ام كلثوم...خرج من غرفته...لطالما يحبس نفسه في غرفته...كان ينتقم من نفسه...كان يجبر نفسه على المذاكرة...كان معقدا على راي أصدقائه...
أطل عليها من باب غرفتها شبه المغلق...كانت تذاكر هي الأخرى...و كان الإجهاد واضحا عليها...طرق لاباب ثم دخل..
- إيه يا جميل..عاملة إيه؟
- الحمد لله...و انت؟
ترنحت رأيها قليلا...
- إيه مالك..؟
- تعبانة شوية...اشتغلت مع ماما النهارده كتير
- طيب قومي ارتاحي...
- انا مش عايزة أنام...بس دماغي واجعاني
- أنا عندي فكرة
لم تمر دقائق حتى كان و اخته يجلسان في حديقة البيت..كانت تحوطهما شجيرات مسك الليل...
تلك الرائحة النفاذة التي تهفو مع كل ذرة هواء...كانا يشربان الشاي الأخضر و النعناع المحلى بالعسل الابيض...هو الذي أعده هذه المرة..
- ماشي...
- ماشي ايه؟
- يعني..بتعرف تعمل الشاي أهو...مش بطال
فاصل من قهقهة...
- حد يقدر على ست البيت التانية
و كالعادة..خجلت
ثم تبدلت ملامح وجهه...و تحولت إلى الترقب و الرجاء...ثم حكى لها ما حصل في المكتبة..و حكى أيضا ما يرى في تلك الفتاة...كانت اخته تستمع بإهتمام...و داخلها رتياح غظيم...ان اخاها مقبل على علاقة...هذا لاشك فيه...إلا أنها كانت مترددة في إخباره برأيها او عدم اخباره...فمعرفته المسبقة من الممكن ان تفسد متعة حبه الأول...كانت فرحة لأن ما يحسه اخوها حقيقي...كثيرا ما قرأوا معا اروايات الرومانسية...و تبادلوا الآراء...و كثيرا ماكانت تعرض عليه خواطرها الشعرية الرقيقة..و كان يقبل جبينها في كل مرة...كانت تلك القبلة الحنونة التي تشعرها بالأمان المطلق...هي أحد الأسباب وراء ما تكتبه...و وراء الامتنان التي تحمله لهذا الأخ الأكبر...انها تكاد تقسم لنفسها أنه حب حياتها الحقيقي...كم كانت تأوي في فراشة ليلا..خائفة من مواء قطة في الحديقة...أو صوت الرعد في الشتاء...أو صوت شباك يصفقه الهواء...
نظرت إليه...
- انت بتتكلم جد؟
- آه و الله...أنا قلقان
- من ايه..؟
- مش فاضي يا بطة للحاجات دي
- لازم تعيش لقلبك شوية يا حبيبي...مش هينفع كده
- بطة...ما تقوليش كده تاني...انتي عارفة اني حاولت مرة و فشلت
- فاكر العبيطة دي..اللي ضحكت علينا..دي كدابة
ثم سكتت لترى كيف أصبحت ملامحه..فلم تستطع تبينها في الظلام...استرطدت
- انت حر...بس انا هقولك على نصيحة من أختك حبيبتك...سيب فرصة للناس اللي حواليك يقربوا ليك و يفكروا فيك...ما تخليش اللي حصلك قبل كده يأثر على تفكيرك...انت تفكيرك أحسن من كده
- حاضر يا بطة...
- علشان خاطري يا ساهر
- انا بوعدك
كادت الدموع تترقرق من عينيها...كانت تشفق على أخيها من سطوة عقله...كان قلبه قد مات تماما..و لا يكن مشاعرا حقيقية إلا لعائلته...و بعض من أصدقائه